ولد الشيخ عبد الحي بن عابد قزاز في رحاب مكة المكرمة سنة 1308هـ، في بيئة دينية واجتماعية عامرة بالعلم والتجارة وخدمة الحجيج. نشأ منذ نعومة أظفاره بين أروقة الحرم المكي الشريف، حيث تلقى أولى معارفه في الكتاتيب التقليدية التي كانت منتشرة آنذاك، فتعلم مبادئ القراءة والكتابة، كما تلقى شيئاً من العلوم الأساسية التي كان شيوخ المسجد الحرام يلقنونها للناشئة. وقد كان والده، الشيخ عابد قزاز، من المطوفين المعتمدين الذين خصصوا لخدمة حجاج الدولة العثمانية الوافدين من تركيا، ولذلك اصطحبه معه في أسفاره المتكررة إلى الديار التركية.

وفي تلك الرحلات أتيح للشيخ عبد الحي أن يلتحق ببعض المدارس التركية، فدرس اللغة التركية وتعلم شيئاً من معارفها، الأمر الذي صقل شخصيته وزاد من ثقافته واطلاعه على ثقافات أخرى، إضافة إلى ما اكتسبه من خبرة عملية من مخالطته الحجاج والتجار.

بعد عودته واستقراره في مكة، انخرط في مجال التجارة إلى جانب عمله بالطوافة الذي ورثه أباً عن جد، فجمع بين خدمة الحجاج وإدارة الأعمال التجارية. وقد بزغ نجم الشيخ عبد الحي في الميدان الإداري والسياسي حين عُيّن رئيساً لبلدية مكة المكرمة عام 1338هـ في أواخر عهد الشريف حسين، واستمر في منصبه هذا حتى عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، حيث ساهم في تنظيم شؤون البلدية وتطوير الخدمات العامة في تلك المرحلة الباكرة من تحولات الدولة.

كما انتُخب عضواً في نقابة السيارات، وكان لهذه المشاركة أثر بارز في تطوير قطاع النقل بمكة المكرمة خلال عقود كانت تشهد فيها البلاد تزايد أعداد الحجاج وتنامي وقت الحاجة إلى وسائل النقل الحديثة. تسلّم كذلك منصب مدير للشركة العربية للسيارات، وأسهم مع مجموعة من رجالات مكة في تأسيس "شركة السهالة لنقل الحجاج"، التي لعبت دوراً مهماً في توفير وسائل مواصلات ميسرة لحجاج بيت الله الحرام.

ولم يتوقف دوره عند الجوانب الإدارية والتجارية، بل كان له حضور اجتماعي بارز؛ إذ شارك مع وجوه مكة المعروفين آنذاك مثل الشيخ شطا والشيخ عباس قطان وعدد من الوجهاء الآخرين في مجالس إصلاح ذات البين، حيث كانوا يجتمعون لحل مشكلات الناس بالصلح والتراضي بعيداً عن المحاكم الرسمية، مساهمين بذلك في تثبيت مبدأ التضامن الاجتماعي والتعاون الأهلي.

عاش الشيخ عبد الحي حياة حافلة بالعطاء في خدمة الدين والمجتمع والبلاد، حتى وافته المنية بمكة المكرمة سنة 1386هـ، بعد أن خلّف سيرة عطرة تذكرها الأجيال في سجل أعلام مكة وأهلها.

وقد أُشير إلى سيرته في كتاب "أعلام المكيين من القرن التاسع إلى القرن الرابع عشر الهجري" للمؤرخ عبدالله بن عبدالرحمن المعلمي، دليلاً على مكانته المرموقة بين رجالات مكة المكرمة في القرون الأخيرة.