إرث من ريادة الإبداع
بقلم د. نجم عبد الكريم
محمد القزاز :كان رحمُه الله - انساناً بكل ماتحمل هذه الكلمة من معاٍن تتطابق مع ما كان يقوم به من افعال في فترات حياته العملية. فالقزاز كان قارئاً من الطراز الرفيع، فهو قد رضع الاداب منذ نعومة اظفاره عندما امضى سنوات من حياته في كلية فكتوريا حيث تشبع بالشكسبيريات، وغيرها من الاداب الاجنبية التي صقلت ثقافته الانسانية، والتي طورها اكثر فأكثر بعد ان عكف على القراءات العربية المختلفة، فانعكس كل ذلك الزخم الثقافي على مفرداته في معظم حقول الاعمال الفنية التي انجزها.
ولما اختار ميدان السينما كحقل يكرس له حياته، فتقدم بأوراقه إلى معهد السينما ليتتلمذ على يد محمد كريم وصلاح ابوسيف ويوسف شاهين والويس عوض ورشاد رشدي وكوكبة كبيرة من كبار المثقفين والسينمائيين وليكون زميًل العلي بدرخان وحسين فهمي ومحمدعبدالعزيز وغيرهم ممن تصدروا المشهد السينمائي في الوطن العربي. وقد كان محمد القزاز موضع احترام الجميع، لما يتمتع به من دماثة خلق، كأول سعودي يطرق باب مجال السينما.
واذا كان تكريم القزاز يتم في هذا المهرجان كمنتج ، فأرجو التذكير ان للقزاز العديد من الانجازات الفنية التي تضاف الىكونه ُمنتجاً،فهوقداكتشفالعديدمنالوجوهالفنية التي حظيت بشهرة واسعة، وكان يقف وراء العديد من الشباب الذين كان يزاملهم بدراسة السينما لكي يأخذوا حظهم بالعمل السينمائي.
ومن اهم الانجازات التي تحتسب لمحمد القزاز انه قام ببناء استديو سينمائي مجهز بأحدث الاجهزة السينمائية في مدينة جدة، وقد كلف ذلك الاستديو ما يفوق العشرين مليون دولار، وبعد ان اتمه وبدأ العمل به، تصدت له القوى المتشددة، وطالبوا بعدم السماح للعنصر النسائي ان يعمل ذالك الاستديو.. ومادام الشيئ بالشِئي يذكر فإن القزاز كان سباقاً لعصره، لأن المملكة العربية السعودية الآن تبني الاستديوهات، وتسمح للنساء بالتمثيل، بعد ان وضعت قوانين تحد من التشدد وتفتح المجال للأعمال الفنية التي كان القزاز يطمح فيها.
وعلى صعيد شخصي فقد ارتبطت بمحمد القزاز بصداقة صادقة، امتدت الى نصف قرن، وكان له الفضل عندما تولى منصب مدير برامج قناة mbc في لندن ان اسند لي تقديم برنامج - قراءات - ناهيك عن الروابط العائلية التي جمعت بيننا في القاهرة والمملكة ولندن، فقد كان القزاز اخي الذي إرث من ريادة الإبداع لم تلدهُ امي..
أنهى محمد قزاز مراحل التعليم باللغة الإنجليزية في كلية فكتوريا بمصر والتي تخرج منها قبله بعدة سنوات المخرج يوسف شاهين ليلتحق بالمعهد العالي للسينما بالقاهرة في السادسة عشر من عمره في عام ١٩٦٤م وليكن السعودي الأول الذي درس الإخراج السنمائي أكاديمياً. تتلمذ علي أيد كبار المخرجين وكتاب السيناريو وأساتذة الإنتاج السينمائي والمنتجين الذين صنعوا مجد السينما المصرية والعربية مثل صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وأحمد كامل مرسي وسعيد الشيخ وشادي عبد السلام وأحمد بدر خان وعبد العزيز فهمي وأحمد خورشيد وعلي الزرقاني وحلمي حليم.
وقد كان المعهد العالي للسينما بالقاهرة في هذا الوقت يضم أهم السينمائيين المصريين والعرب بالإضافة إلى أساتذة من أوروبا كالمخرج الفرنسي جورج لامبان وأستاذ المونتاج كلود بوهريه حيث حرص المفكر الدكتور ثروت عكاشة - )وزير الثقافة المصرية( في تلك المرحلة، على أن يجعل من أكاديمة الفنون معمل تفريغ للطاقات الفنية المبدعة والذي أدى إلى الطفرة الفنية في مجالات السينما والمسرح والباليه في السنوات اللاحقة.
تخرج محمد قزاز عام ١٩٦٨م، بعد أن عاش سنوات التكوين الثقافي في أزهى حقبة من تاريخنا الثقافي المعاصر في الستينيات بجوار دارسته التي جمعت أساتذة وفنانين ومفكرين من الشرق والغرب ما أثر على توجهاته الفنية فيما بعد وجعله أول عربي يقتحم مجالات الإنتاج الفني التلفزيوني في أوروبا.
كان من الطبيعي أن يهفو محمد قزاز في بداية طريقه العملي للعودة إلى المملكة العربية السعودية لتطبيق ما درسه أكاديمياً ومحاولة النهوض لصناعة التلفزيون في المملكة. عمل مخرجاً ثم مديراً لإنتاج محطة تلفزيون جدة، لكن طموحاته الفنية كانت أكبر بكثير من القيود الإدارية التي فرضتها عليه الوظيفة ووجد أن البيروقراطية المكتبية تتعارض مع طبيعة الإنتاج الفني خاصة في ظروف المملكة في ذلك الوقت. ترك الوظيفة وألقى بنفسه في بحر كان ما يسمى في وقتها، القطاع الخاص بالنسبة للشركات الصناعية والتجارية.
إستطاع القزاز إقناع الأستاذ حسين عنان "رحمه الله" ، رئيس القطاع الاقتصادي للتلفزيون المصري آن ذاك وصاحب نظرة إقتصادية مستقبلية منفردة، أن يؤسس ) قطاعاً خاصاً( في مجال التلفزيون؛ لإنتاج مسلسلات يتم إنتاجها بالكامل داخل مبنى التلفزيون وبتمويل كامل من شركته، فكان بذلك رائداً للإنتاج الخاص في المنطقة العربية من خلال الشركات التي أسسها وقام بالتخطيط لهذا الاتجاه وتنفيذه بجرأة أدهشت محطات التلفزيون! وتدريجياً يتحول ما بدأه القزاز إلى قاعدة ليس في التلفزيون المصري فقط بل في المنطقة العربية بأكملها.
تنقل محمد قزاز بين القاهرة وبيروت ولندن وباريس والولايات المتحدة الأمريكية، لأنه كان دائماً واعياً بأهمية صناعة التلفزيون بالنسبة للوطن العربي بشكل عام وللمملكة العربية السعودية بشكل خاص، ومدركاً للدور الخطير الذي يلعبه التلفزيون في تشكيل وجدان وثقافة المواطن العربي من ناحية، وفي تشكيل صورة المواطن العربي في ذهن المواطن الأوروبي من ناحية أخرى.
انطلاقاً من هذه الفكرة قام القزاز بتأسيس الشركة المتحدة للاستوديوهات التي قامت بإنشاء أول استوديو تلفزيوني خاص في السعودية مقره مدينة جدة، وجهزه بأحدث معدات الديجيتال في أوائل الثمانينات، وأسس لهذه الشركة فروعاً في باريس ولندن والقاهرة والرياض بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
استطاعت أن تقدم هذه الشركة إنتاجاً فائق التميز في المنطقة العربية في مجال التلفزيون والسينما والمسرح، واستقبلها كبار نقاد العالم العربي بحفاوة بالغة؛ لشجاعتها في تقديم كتاب عالميين مثل موليير وأرثر ميلر والأخوين رحباني والجاحظ إلى الجمهور العربي. بالإضافة إلى اقتحام الشاشات الغربية من خلال المسلسلات الجادة التي قامت بإنتاجها وتصويرها ما بين استوديو الشركة بجدة واستوديوهات باريس.
رفعت هذه المسلسلات نسبة المشاهدة عدة مرات ما بين الساعة الرابعة والخامسة من ظهر يوم السبت إلى مستوى نسبة مشاهدة نشرةأخبارالثامنةمساًء،وهي ذروة نسبة مشاهدة القناة الأولى الفرنسية. وقالت الصحافة الفرنسية في ذلك الوقت أن المملكة العربية السعودية لم تعد تصدر البترول فقط إلى فرنسا لكنها أصبحت أيضاً تصدر البرامج التلفزيونية المتميزة. أنتجت الشركة أيضاً الأفلام التسجيلية الطويلة مشاركة مع محطات التلفزيون الفرنسي والبريطاني والأمريكي وقدرت الولايات المتحدة الأمريكية القزاز بمنحه الجنسية الشرفية الأمريكية لإسهامه المتميز في تطوير صناعة التلفزيون.
لم يمنع المشوار الإنتاجي الطويل الذي مر به محمد قزاز خلال رحلته الفنية والتي قام فيها بالتخطيط لمحطات فضائية عديدة، وقام بإدارة بعضها، حتى أصبح مرجعاً للعمل التلفزيوني في المنطقة العربية من إيمانه بالتلفزيون. ظل القزاز وفياً لإحساسه الخاص بتأثير التلفزيون على التقدم بالمجتمعات العربية ووفياً لبلده الأم المملكة العربية السعودية حتى عاد لها مرة أخرى.
تولى وزير الإعلام السعودي الأستاذ/ أياد مدني منصبه ورأى بنظرته الثاقبة أن القزاز هو أفضل من يتولى الإشراف على قنوات الإذاعة والتلفزيون السعودي من خلال منصب - مستشار وزيرالثقافةوالإعلام.
لم يكن امام تلفزيون المملكة العربية السعودية أشهر قليلة وبدأ الجمهور السعودي يلتف مرة أخرى حول شاشته ويفضلها على قنوات كثيرة بعد ظهور هذه الشاشة بشكل ومضمون جديدين جعلا التلفزيون السعودي قادراً على المنافسة في عالم أصبح فيه المتفرج قادراً على إنهاء قنوات والصعود بقنوات أخرى من خلال الريموت كونترول.
كانت وما زالت خبرة محمد قزاز التلفزيونية العريضة خارج المملكة وخبرته العميقة بالجمهور السعودي هي مصباحه الذي يضئ به طريق تقدم محطات شبكة التلفزيون السعودي؛ لتدفع بدورها المجتمع السعودي إلى طريق التقدم دون الإخلال بالقيم الإسلامية والعربية الأصيلة أو الوقوع في براثن الغلو والتطرف.
محطات في رحلة الإبداع
- مستشار الوزير والمشرف العام على الإذاعة والتلفزيون، وزارة الثقافة والإعلام، الرياض، السعودية.
- مستشار أول بمركز الخليج للأبحاث، دبي
- مستشار أول بمجموعة MBC، لندن
- أربعون عاماً من الخبرة الدولية فى إدارة الإنتاج مع تلفزيون دريم في القاهرة؛ ومهاد للاستشارات في جدة، ومركز تلفزيون الشرق الأوسط (MBC) في لندن، وان اتش كيه في طوكيو ونيويورك ودبي، والتلفزيون الفرنسي (TF1)، و2 Antene
- مؤسس ورئيس شركة استوديوهات المتحدة للإنتاج والتوزيع في كل من جدة والرياض والقاهرة وباريس ولندن ولوس أنجلوس لإنتاج أكثر من 750 ساعة من المسلسلات التلفزيونية الدولية عالية التمويل، و14 فيلماً روائياً، و26 فيلماً وثائقياً، و50 برنامج تعليمى ومهني و15 عرض موسيقي.
- أول منتج يقوم بالتصدير إلى أوروبا
- سجل إعلاني حافل مع العملاء الدوليين
- تم تكريمه من الجامعة العربية لإنجازاته فى تطوير قنوات التلفزيون السعودي حاصل على عدة جوائز منها: جائزة أفضل مسرحية من جمعية النقاد فى مصر ”مسرحية الشخص“ ، وبرامج الأطفال، والبرامج التعليمية، والدراما ، وبرامج المنوعات؛ وجائزة تقديرية عن الفيلم القصير ”الشقاء“ ” لا شئ كل شئ“ ، وحاصل على المواطنة الفخرية الأمريكية (تينيسي).
- أول خريج سعودي من المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون، وحاصل على درجة البكالوريوس في الإخراج والإنتاج السينمائي.
لمزيد من التفاصيل انقر هنا