الشيخ عثمان بن عمر قزاز، وُلد بمدينة مكة المكرمة عام 1298هـ، في حي الشامية بجبل هندي، وهو أحد أحياء مكة القديمة التي كانت عامرة بالبيوتات الحجازية العريقة. نشأ في بيئة قريبة من الحرم المكي الشريف، الأمر الذي كان له أثر بالغ في تكوين شخصيته الدينية والعلمية.
بدأ حياته منذ نعومة أظفاره طالباً للعلم في المسجد الحرام، حيث تلقى العلوم الشرعية واللغة على يد عدد من علماء مكة المعروفين في ذلك العصر. وقد انعكس هذا التكوين العلمي على سلوكه ومسيرته العملية، فكان مزيجاً بين النزعة الدينية والتحلي بالأمانة، وبين الميل إلى الكسب الحلال والعمل في ميادين التجارة.
بعد سنوات من التعلّم، اتجه الشيخ عثمان إلى التجارة، فاختار مجال الأقمشة الذي كان من أهم مجالات النشاط التجاري في مكة آنذاك، وأصبح له محل تجاري معروف في حارة الشامية، يستقبل فيه أهل مكة وزوارها من الحجاج والمعتمرين، وقد عُرف بسمعته الطيبة وحسن معاملته، مما جعله من التجار المعتبرين.
ومع دخول الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – إلى الحجاز عام 1343هـ، وإعادة تنظيم شؤون مكة المكرمة، صدر مرسوم ملكي بتعيين الشيخ عثمان بن عمر قزاز مديرًا لبيت المال في مكة. كان بيت المال مؤسسة بالغة الأهمية في ذلك الوقت، إذ تولى مسؤولية الإشراف على الأموال العامة والصدقات والأوقاف، وحُسن توزيعها وفق الأنظمة الشرعية والتنظيمات الإدارية. وقد أدار الشيخ عثمان هذه المسؤولية لأعوام عديدة بكل أمانة وكفاءة.
استمر في منصبه إلى أن سلّم الأمانة لابنه الأكبر عمر بن عثمان قزاز الذي واصل العمل في إدارة بيت المال بعد والده، ليحافظ على مكانة الأسرة في هذا المجال الحيوي. وبعد وفاة عمر، انتقلت المسؤولية إلى شقيقه الأصغر بكر بن عثمان قزاز، الذي واصل الخدمة حتى وفاته.
كما عُرضت إدارة بيت المال في مرحلة لاحقة على حفيد الشيخ عثمان، محمد بن عمر قزاز، إلا أنه اعتذر عن توليها، ثم عُرضت مرة أخرى على حفيده الآخر أسامة بن بكر قزاز، فاعتذر كذلك، الأمر الذي أدى إلى أن توكل الدولة إدارة بيت المال إلى شخصيات أخرى من خارج العائلة.
توفي الشيخ عثمان بن عمر قزاز في مكة المكرمة عام 1378هـ، عن عمر ناهز الرابعة والثمانين عامًا، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل والتجارة وخدمة المجتمع. وقد ترك أثرًا طيبًا في نفوس من عرفوه، وذكرًا عطرًا بين الأجيال التالية من أسرته، فكان نموذجًا للرجل المكّي الذي جمع بين القيم الدينية، والسعي في خدمة وطنه، وحسن السيرة في تجارته وصلاته الاجتماعية.