عميد الأسرة ورائد التجارة والخدمة العامة في مكة المكرمة
وُلد الشيخ عبدالوهاب يحيى قزاز في مكة المكرمة سنة 1280هـ الموافق 1863م، في بيت عُرف بالورع والوجاهة الاجتماعية. نشأ في أجواء مكة الدينية والعلمية، وتلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب، حيث حفظ القرآن وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. ثم تابع طلب العلم على يد علماء زمانه، فنهل من المعرفة الشرعية واللغة، مما أهّله ليكون شخصية بارزة بين أعيان مكة المكرمة.
كان الشيخ عبدالوهاب عميد أسرة آل قزاز خلال القرن الرابع عشر الهجري، واعتُبر من أبرز رجالات مكة المكرمة في مجالي التجارة والخدمة العامة. عُرف بغناه وكرمه، وبتأسيسه مشروعات اقتصادية وخيرية خدمت أهل مكة، وجعلت له مكانة مرموقة بين وجوه البلد. فقد أنشأ “الشركة الوطنية” التي كانت من أوائل الكيانات التجارية المنظمة في الحجاز، وقدمت خدماتها لسكان مكة المكرمة. كما فتح بنكًا (أو مخزنًا تجاريًا) في حارة الشامية، بين باب الزيادة وباب القطبي، مخصصًا لبيع الأرزاق والحبوب، وذلك قرابة سنة 1336هـ، في وقت كان تموين المواد الغذائية مسألة حيوية لأهالي مكة وزوارها. إلى جانب ذلك، تولى رئاسة "الشركة الوطنية للجلود"، مما جعله من أبرز رجال المال والأعمال في زمنه.
كانت صلاته قوية بالأشراف، أهل الحكم في الحجاز، إذ كان من مقربيهم، وقد قلّدوه العديد من المناصب المهمة إبان العهد الهاشمي، مما زاد في رسوخ مكانته الاجتماعية والسياسية.
المناصب والأعمال العامة
- عضو لجنة القرض الملكي في العهد الهاشمي، وهي لجنة عهد إليها تنظيم الشؤون المالية المتعلقة بالدولة.
- رئيس هيئة الإحضارات بوكالة الحربية خلال نفس العهد، وهو منصب يعكس الثقة الكبيرة التي أولتها له حكومة الأشراف.
- وزير للنافعة في حكومة الأشراف، حيث أشرف على المرافق والخدمات العامة، وقد مُنح وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة تقديرًا لجهوده.
- الإشراف على سقف المسعى بمظلة بطلب من الشريف الحسين بن علي سنة 1341هـ، وهو مشروع تاريخي خلّد اسمه في ذاكرة عمارة المسجد الحرام.
- الإشراف على أول تبليط للمسعى بالحجارة المربعة من الصفا إلى المروة بأمر الملك عبدالعزيز آل سعود سنة 1345هـ، وهو من أوائل أعمال تطوير المشاعر المقدسة في العهد السعودي.
- مدير عام لمكتب الطرق قرابة سنة 1351هـ، حيث أسهم في تنظيم شؤون النقل والطرق في الحجاز.
- عضو بمجلس الشورى عند تأسيسه في أول محرم سنة 1355هـ برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز، واستمر عضويته حتى عام 1356هـ، السنة التي وافاه فيها الأجل.
إنجازاته في خدمة المسجد الحرام
ورد ذكر الشيخ عبدالوهاب قزاز في عدد من المصادر التاريخية التي أرّخت لأعمال عمارة الحرم المكي. فقد ذكر حسين عبدالله باسلامة في كتابه
تاريخ عمارة المسجد الحرام أن:
"أول من فكر في عمل مظلة على شارع المسعى، ونفذها فعلاً، هو الشريف الحسين بن علي بن محمد بن عون، وفي سنة 1339هـ عهد بتنفيذ هذا المشروع إلى الشيخ عبدالوهاب قزاز، فقام بإقامتها وأشاد بها خير قيام."
وكذلك وثّق محمد طاهر الكردي في كتابه
التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم أشعارًا قيلت مديحًا في هذا المشروع، ذُكر فيها اسم الشيخ عبدالوهاب، الذي أشرف على تنفيذه. وقد خُلدت هذه الأبيات على لوحة كبيرة وعلقت في سقيفة المسعى.
من تلك الأبيات قول الشاعر محمد صالح القزاز:
"بهمة السند القزاز من فخرت به العلا * وغدا بالمجد مشهورا"
وهو تصريح واضح بالدور الذي أدّاه الشيخ عبدالوهاب قزاز في دعم المشروع وتنفيذه على الوجه الأكمل.
وفاته
تُوفي الشيخ عبدالوهاب قزاز بمكة المكرمة يوم الاثنين 3/9/1356هـ، بعد حياة طويلة حافلة بالعمل والريادة في التجارة والخدمة العامة. ترك إرثًا مشرفًا لذريته وأسهم في تدوين صفحة باسمة من تاريخ مكة المكرمة ورجالاتها، فكان بحق واحدًا من الشخصيات التي يستحق ذكرها في كتب الأعلام والتاريخ الاجتماعي للحجاز.
