فقدت الصحافة السعودية, قبل أيام, واحدا من أبرز روادها هو الأستاذ حسن عبدالحي قزاز ـ رحمه الله ـ وقد استطاع هذا الصحفي الرائد أن يقدم خدمات جليلة لصحافتنا السعودية على مدى فترة زمنية طويلة.. فهو من الجيل الذي "أسس" و"أصل" لهذه الصحافة وحقق لها نقلات مميزة في زمن لم تكن فيه الامكانات الفنية والكوادر البشرية متوفرة.. بل وحتى القارئ المتابع لم يكن موجودا في ذلك الزمان.

وإذا كانت اسهامات الأستاذ القزاز كثيرة ومتنوعة في ميدان الصحافة فإن أحد اسهاماته البارزة التي لا يملك أي مؤرخ للصحافة السعودية إلا أن يتوقف أمامها تتمثل في الجهد الذي بذله لتحويل الممارسة الصحفية من عملية مكتبية تهتم بالأسلوب الأدبي وبالصياغات المتوارثة إلى عملية صحفية حقيقة ميدانية تهتم بملاحقة الخبر وتغطيته بأسلوب الصحافة الحديثة الذي يفهمه القارئ ويتفاعل معه.. ولهذا يجد القارئ الذي يعود إلى بدايات الصحافة السعودية أن ولعها بالصياغات الأدبية وبالقوالب الجاهزة قد تغير بعد تجربة المرحوم حسن عبدالحي قزاز في صحيفة عرفات التي أصدرها في مدينة جدة في السبعينيات الهجرية (الخمسينيات الميلادية).. ثم تجذرت هذه التجربة في صحيفة البلاد التي تولى رئاسة تحريرها فترة من الزمن.

ومما يحسب للأستاذ القزاز أيضا هو رعايته للعديد من المواهب الصحفية الشابة التي تدربت على يديه في الصحف التي تولى فيها مناصب قيادية.. فقد أفسح المجال أمامهم وأنضج تجربتهم وأتاح لهم الفرصة لتطوير قدراتهم حتى وصل بعضهم إلى منصب رئاسة التحرير. ولم تقتصر رعايته للمواهب الصحفية على من يعملون معه في مكان صدور صحيفته, وإنما امتد إلى أماكن أخرى من المملكة.. ذلك أن الأستاذ القزاز هو رائد نشر المكاتب الصحفية في مدن المملكة. ومن خلال هذه المكاتب برزت مواهب العديد من الصحفيين والكت اب الشباب الذين أصبح لهم شأن كبير في الصحافة السعودية فيما بعد.

ورغم ان مشاغل الحياة قد جرفت الكثيرين من كانت لهم اسهامات صحفية في وقت من الأوقات فأبعدتهم عن الصحافة, إلا ان الأستاذ القزاز ظل طوال حياته مخلصا لهذه الصحافة التي كانت هاجسه الأساسي رغم نجاحه في مجالات أخرى... ولهذا ظل يواصل الكتابة في صحف المملكة حتى أقعده المرض, وقدم للمكتبة السعودية عددا من المؤلفات.. ومنها كتابه "مشواري مع الكلمة" وكتابه الشهير "أهل الحجاز بعبقهم التاريخي".

رحم الله الأستاذ حسن عبدالحي قزاز, الرائد والعلم البارز في مسيرة الصحافة السعودية, وأسكنه فسيح جناته.